اشكالية المنهج في قراءة النص الجاهلي
لمَّا استقرتْ معاني الشِّعر الجاهلي ودِلالاته في بطون الكتب ، و ركزتْ في طيَّات الذاكرة الجمعيَّة العربيَّة دهراً ، لم يُلقَ على صفحتها حجرٌ ثقيلٌ مؤثرٌ ؛ كان الأمرُ صعباً على من يرغب في التجاوز والتفلَّت من ربقة الشرح القديم وأسْره ، وتعرضتْ المحاولات الأولى إلى نظراتٍ شزراء من لدن الباحثين المحافظين على القديم لقدمه، والزاريين على الحديث وأهله . ونتيجةً لحراكِ العقلِ المعاصر ، ورفضه المسلمات ، وانقياده للتفكير العلميِّ والمنطقيِّ ، بدأ النُّقاد بالتَّململ حين شعروا أنَّ الدِلالات المأنوسة المتوارثة لا تقيمُ صُلبَ معاني البنيّة العميقة للشعر الجاهلي خاصة ، التي تفرضها المُعطياتُ المُتعالقةُ مع النص ، مثل : مقام القصيدة وأعني مناسبة قولها، ودوافعه المرتبطة بموضوعها الرئيس، ومعطيات البِنيَّة الداخليَّة والخارجيَّة للنَّص التي تلتمع من تحت جمر الألفاظ. فتوسلتُ المنهج العقلي الهيرمنيوطيقي المُتعالق مع صنعة الاتِّساع بِمُرجِحاتٍ داخليَّة وخارجيَّة ، ومُستنطقاً بعد ذلك كلَّ الأسماء الواردة في النَّص من أماكن وأعلام، مستعيناً بالدوائر المعرفيَّة في اللغة والجغرافيا، وما تشفَّ عنه طبائعُ النُّفوس ومُواضعاتها ، مُفترضاً أنَّ القصيدة العربيَّة ليست بدعا بين الآداب العالمية حتى تُولد مُفككةً بالشكل الهندسي الذي عرفناه، وإنَّ أسماء النساء في المطالع ليست حقيقيَّة . محاور البحث : مقدمة، والمذهب الهيرمنيوطيقي ، ومواضعات التسمية عند العرب ، وأسماء النساء في الشعرالجاهلي : هريرة ، وخولة ،وأم الحويرث،وأم الرباب وسمية ،ثم الخاتمة و النتائج . ومن المتوقع أنْ تفوز هذه الدراسة بنتائجَ طيَّبة أولها ؛ إثبات أنَّ العقل العربي الجاهلي سليمُ البِنيَّة التركيبية، عظيمُ القدرة التخييليَّة ، يظهرُ الشاعرُ ما يريد ويبطنُ ما يريد، بعيداً عن المباشرة والسطحيَّة ، وثانيها : إنَّ ما تعلمناه ،وعرفناه من نساء في مقدمات القصائد الجاهليَّة ليست من النساء في شيء؛ إذ هريرة ليست هريرة المعروفة ، أمة بشر بن عمرو بن مرثد السوداء التي كان يتعشقها الأعشى، وعنترة لم يكن عاشقا في بني عبس ، وخولة صاحبة طرفة ليست فتاة بعيدة المرواح من بني كلب، وعنيزة ابنة عم أمرئ القيس ليست كذلك ، وفاطمة ورابعة وسعاد وأمّ أوفى وغيرهن من المظلومات .
سنة النشـــر
2018