الوقف على البحث العلمي مشروعيته،وضوابطه
- المقدمة: الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. مما هو غني عن البيان أن مؤسسة الوقف قد قدمت إسهامات كثيرة ومتميزة للمجتمع الإسلامي، وغطت مظلة منفعتها العديد من المرافق الخدمية، والدينية، والتعليمية، ولم يزل بإمكان هذه المؤسسة أن تقدم المزيد من تلك الخدمات؛ وذلك لما تتميز به من مرونة في التشريع والتأطير القانوني يستوعب ما قد يستجد من حاجات تمليها ظروف الحياة وتغيراتها المستمرة . و تبرز أهمية الوقف في حياة المسلمين من خلال علمهم بحكمة مشروعية الوقف؛ إذ يتميّز عن بقية الصدقات والهبات بأمرين هامين؛ الاول استمرارية الأجر والثواب للواقفبعدم انقطاع ذلك بانتقال الملكية بل واستمرارية ذلكباستمرارية الانتفاع به في وجوه الخير التي خصص من اجل تمويلها ورعايتها والقيام بها. كما يتميّز كذلك بالاستقلالية؛ حيث يصاحب نشأة الوقف دستوره الذي يتضمن أوعيته المادية وكيفية استغلالها ووجوه صرفها وهو ما يكسبه حصانة ضد انواع التسلط والتصفية . ومما لا شك فيه أن مرفق التعليم قد أفاد من مؤسسة الوقف عبر تاريخها الطويل قديماً وحديثاً فائدة كبيرة في مجالي التمويل والإنفاق، والإدارة والإشراف؛ حيث تشي دساتير الوقف على التعليم بما يتضمن النص على كيفية إدارةالأموال الموقوفة، وطرق استثمارها، ووجوه استغلالها، كما تشير أيضاإلى شروط الواقفين الضابطة لكيفية إدارة العملية التعليمية وسبل رعايتها . ولم يكن البحث العلمي بمنأى عن تمويل الوقف ورعايته؛ إذ أن تمويل العملية التعليمية يتضمن الإنفاق على مختلف مفرداتها من الإنفاق على العلماء، والمتعلمين، والكتب، والمدارس، والجامعات، والمستشفيات وغير ذلك مما يصب في مصلحة البحث العلمي بطريق مباشر وغير مباشر . وتكشف لنا عمليات الرصد التاريخي أن جزئية البحث العلمي قد نالت حظاً متواضعاً من عمليات التمويل الوقفي على التعليم استقلالاً؛ إذ لم تقدم لنا الدراسات التاريخية شواهد معتبرة على مثل هذه الممارسة الوقفية بل كشفت تلك الدراسات عن أن عمليات التمويل الوقفي على الجوانب التعليمية قد أسهمت بتطور البحث العلمي وتقدمه بشكل غير مباشر وبخاصة في مجالعلم الصيدلة والكيمياء والبيطرة وعلوم النبات؛ فبفضل الانفاق على البحث العلمي في تلك المجالات تطورت تلك العلوم، وتوصل العلماء الى كثير من الاختراعات والابداعات في مجال علم الصيدلة وعلم الادوية وتكنلوجيا استخراجها من النبات بعد تجارب بحثية عديدة . كما أن المدونة الفقهية لم تقدم لنا نصاً واضحاً في بيان مشروعية مثل هذه الممارسة الوقفية، ولعل ذلك يعود إلى انطوائها تحت مظلة الوقف على التعليم عموماً، أو لعدم ظهور الحاجة الماسّة إلى مثل هذا النوع من الوقفيات. وأياً كان السبب فإن تخصيص وقفيات على البحث العلمي في الواقع المعاصر أمر يعد في غاية الأهمية؛ وذلك لما يمثله الإنفاق على البحث العلمي من أهمية بالغة في تقدم الأمم ورفعتها وعلو شأنها بين الأمم؛ بالنظر إلى النتائج المرجوة من عمليات البحث العلمي من : تطور تكنولوجي، واتساع معرفي، ورقي مجتمعي؛ من خلال رعاية المبدعين والموهوبين، وتمويل عمليات البحث والتنقيب عن حلول للمشكلات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وغيرها، وتخفيف حدة المعاناة التي تسببها تلك المشكلات على الأفراد والجماعات. ولما كانت تلك العمليات البحثية تستدعي متطلبات مادية وبشرية للقيام بها؛ كتوفير المواد اللازمة، وتجهيز البنية التحتية من المختبرات وا
سنة النشـــر
2019